وضّبت رحاب حقيبة ولادة طفلها الذكر بعد انتظار دام لسنوات. فالمولود هذه المرة له بهجة خاصة اذ يأتي بعد ولادة 4 شقيقات له. ومنذ معرفة الام بأن مولودها الذي تنتظره ذكرا، لم تفارق الفرحة عيناها رغم كل متاعب الحمل والولادة التي كانت تقول للمقربين انها اعتادتها بعد تجربة خامسة لها، وهي مستعدة لتحمل اضعاف هذه الالام مقابل رؤية ولدها بين يديها.
جاء موعد الولادة. توجهت رحاب الى المستشفى وكلها أمل ان تعود الى منزلها حاملة لبناتها شقيقهن الذي ينتظرنه. ودعت الفتيات امهن وسألوها الاسراع في العودة للاحتفال سويا بالمولود المنتظر ولكن النتيجة كانت وصول الشقيق يتيتم الام، بعد ان فارقت امه الحياة بعد الولادة.
لم تصدق العائلة النبأ لأن الام لم تكن تعاني اصلا من مضاعفات خطيرة اثناء حملها ولا قبلها، وفي اليوم الاول خرجت الام من عملية الولادة سليمة ورأت مولودها وقبلته. ويقول المقربون منها انها لم تشكو من اي وجع ربما بسبب الفرحة العامرة التي كانت تغمرها.
لكن ماذا جرى؟ ففي اليوم التالي من الولادة وعلى نحو غير مفاجئ، اصيبت الام بنزيف حاد فشل معها الطاقم الطبي من انقاذها مما ادى الى وفاتها.
رحاب، وغيرها مئات الالاف من النساء يمتن سنويا جراء الحمل والولادة، اذ ان نصف مليون تقريبا من الحوامل يتعرضن لمضاعفات خطيرة تودي بحياتهم.
وفيات الامهات في العالم العربي
1% من هذا العدد يتركز في الدول الصناعية و99% منه في الدول النامية، وينال العالم العربي حصة كبيرة منه.
ورغم ان معدل وفيات الامهات في المنطقة العربية انخفض بين عامي 1990- 2010 بنسبة 27% الا ان الرقم مازال كبيرا ويُقدر بعشرات الالاف.
أما بلدان مجلس التعاون الخليجي فتمكنت من تخفيض معدل وفيات الأمهات بمقدار النصف، فأصبح 15 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية أى أقل من المتوسط الذى سجلته المناطق المتقدمة، وهو 16 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية.
المناطق الاكثر استحواذا لوفيات الامهات
من المحقق ان وفيات الامهات الحوامل لا تتوزع بشكل متساو بين جميع الدول، اذ انها تتركز اكثر ف يالدول الفقيرة. ويبلغ احتمال وفاة المرأة في فترة الأمومة 75/1 في المناطق النامية، بينما يبلغ 7300/1 في المناطق المتقدمة.
ففي النيجر تلقى امرأة واحدة من أصل سبع نساء مصرعها جرّاء المضاعفات المرتبطة بالحمل. أمّا في أيرلندا فإنّ احتمال وفاة المرأة في مرحلة الأمومة يبلغ 48000/1.
فوفيات النساء الحوامل في البلدان النامية تشكل نحو 99% من مجموع وفيات الأمومة التي تحدث في كل ربوع العالم اما العالم المتقدم فلا يستحوذ على اكثر من 1% من نسبة هؤلاء الوفيات.
وتستحوذ أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على اكثر من نصف هؤلاء النساء، ويحدث ثلثها في جنوب آسيا. وفي المناطق النامية تبلغ نسبة وفيات الأمومة 450 حالة وفاة لكل 100000 ولادة حيّة، بينما تبلغ تلك النسبة 9 لكل 100000 ولادة حيّة في البلدان المتقددمة.
الطب وانقاذ الأمهات
لم تعد قضية الحمل والولادة من الاسباب التي تشكل عبئا او صعوبة على اي طاقم طبي في العالم، بعد ان باتت جميع الحلول متوافرة في عصر النهضة والتقدم الطبي. فيمكن للنزف الوخيم الذي يحدث في المرحلة الثالثة من الوضع، أن يودي بحياة المرأة في غضون ساعتين فقط، حتى إذا كانت في صحة جيدة. ويمكّن دواء الأوكسيتوسين، الذي يُعطى بعد الولادة فوراً، من تخفيض مخاطر النزف بفعالية كبيرة.
أما الانتان، فيمكن الحد منه بشكل كبير. وهو ثاني أكثر أسباب وفيات الأمومة تكرّراً، باحترام تقنيات التطهير.
أما السبب الثالث للوفيات فهو مقدمات الارتعاج، وهي من الاضطرابات الشائعة التي تسبّب فرط ضغط الدم أثناء فترة الحمل والتي يمكن رصدها. وعلى الرغم من تعذّر علاج ذلك الاضطراب بشكل تام قبل الوضع، فإنّ إعطاء أدوية مثل سلفات المغنيزيوم من العمليات الكفيلة بالحد من مخاطر إصابة الحوامل بالاختلاج (الارتعاج) الذي قد يؤدي إلى وفاتهن. ومن الأسباب المتكرّرة الأخرى لوفيات الأمومة تعسّر الوضع، الذي يمكن توقيه أو تدبيره علاجياً من قبل قابلات حاذقات. ويحدث تعسّر الوضع عندما يكون رأس الجنين أكبر بكثير مقارنة بحوض الأم أو عندما يكون في وضعية غير عادية داخل بطن الأم. ومن الوسائل البسيطة لتحديد مشاكل الوضع في مراحل مبكّرة التصوير، الذي يتيح إمكانية إجراء رسم بياني يظهر تطوّر عملية الوضع وحالة الأم والجنين. ويمكن للقابلات الحاذقات استخدام الصورة لأغراض التعرّف على التطوّر البطيء الذي يسبق تعسّر الوضع والتعاطي معه وإحالة المرأة، حسب الاقتضاء، إلى الجهات المتخصّصة للخضوع لعملية قيصرية.
