يبدو أن لبنان، الذي كان رائداً في السابق في الشرق الأوسط في ديمقراطيته وصونه للحريات العامة، قرّر المضيّ في إنتهاكاته لأبسط معايير الديمقراطية، متجاوزاً الأعراف والدساتير، ضارباً بعرض الحائط القوانين، ومتخطياً إرادة الشعب. فمجلس النواب، الذي فشل منذ أيار الماضي، في إنتخاب رئيس جديد للبلاد بسبب التجاذبات السياسية بين الأفرقاء، يتّجه إلى التمديد لنفسه مرّة جديدة، متحجّجاً بالوضع الأمني في البلاد.

فاليوم، أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي كانت مقررة اليوم الى يوم الاربعاء في 19 تشرين الثاني المقبل.

وبعد التأكد من عدد النواب الذي بلغ 52 نائبا فيما النصاب القانوني يحتاج الى 86 نائبا، تلا امين عام مجلس النواب عدنان ضاهر بيان تأجيل الجلسة، وجاء فيه "بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة التي كانت مقررة ظهر اليوم الى ظهر الاربعاء الواقع في 19-11-2014."

يشار الى ان موعد الجلسة المقبلة الـ15 يصادف قبل يوم من نهاية ولاية مجلس النواب الحالي.

وفي هذا السياق، تقدّم النائب نقولا فتوش، عرّاب التمديد في لبنان، بإقتراح إلى مكتب مجلس النواب يتضمن اسباباً موجبة للتمديد للمجلس لمدة سنتين وسبعة اشهر.

وأوضح فتوش أن "الظروف الاستثنائية التي بررت التمديد من قبل لم تتغير بعد"، مؤكدا أنه ليس مكلفا من أحد بوضع اقتراح قانون يرمي الى التمديد للمجلس النيابي، مؤكدا انه هو، وحده، يمكن ان يكلف نفسه بأي أمر من هذا النوع في حال وجد ان هناك ضرورة للتمديد.

وشدد فتوش على أن "سلامة الشعب هي الاسمى"، لافتا إلى أنه "إذا وقع الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، فان الحكومة تملأ الفراغ، وإذا استقالت الحكومة يُعتبر المجلس النيابي في حال انعقاد دائم، أما إذا انتهت ولاية المجلس ولم تحصل انتخابات نيابية، فعندها يقع الفراغ القاتل، وأنا لا أعتقد ان الانتخابات ممكنة في المدى المنظور، فهل نرمي أنفسنا في هذا الفراغ أم نلجأ الى التمديد للحفاظ على استمرارية السلطة التشريعية؟".

في المقابل، هناك كتل نيابية ترفض التمديد علناً، وهناك من يبرّره لضرورات أمنية. وفي هذا السياق، قال رئيس المجلس قبل أيام، وهو الذي كان من أشدّ المعارضين للتمديد: "أنا وكتلتي أكثر ميلاً إلى التمديد بعدما كنت من المتحمسين لإجراء الانتخابات، لكنّي غيّرت موقفه بعد موقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري برفض المشاركة في انتخابات نيابية لا يسبقها انتخاب رئيس الجمهورية"، مضيفا: "أقول من الآن إن حركة أمل وحزب الله مع تمديد ولاية المجلس".

من جهته، يؤكد رئيس أكبر كتلة سنيّة في لبنان سعد الحريري أن "التمديد لمجلس النواب ضرورة حتى لا ندخل بالمجهول"، مضيفا: "اولوياتنا عدم دخول البلاد في المجهول، واذا حصل التمديد الاولوية الاساسية هي لانتخاب رئيس للجمهورية ومن هنا سيكون لدينا موقف في موضوع رئاسة الجمهورية نحن كقوى 14 آذار وكتيار المستقبل".

من جهتها، تعارض الطائفة المسيحية برمتها التمديد لمجلس النواب، بإعتبار أنه يضرب الدستور والمواثيق والقوانين.

وفي هذا السياق، يؤكد رئيس "حزب القوات اللبنانية"، سمير جعجع الحق بحياة دستورية حرّة والعمل بالسياسة على الطريقة الصحيحة، معتبرا أن من أكبر عمليات الغش اليوم عملية التمديد لمجلس النواب "فالحكومة لم تحضر للانتخابات النيابية".

أما "حزب الكتائب"، حليف "القوات" و"تيار المستقبل"، فهو أيضاً يرفض التمديد، لكنّه في المقابل سيشاركم في الجلسة المخصصة لهذا البند، مع مقاطعة التصويت عليه.

من جهته، يؤكد رئيس أكبر كتلة مسيحية في البرلمان اللبناني، ميشال عون، موقف المبدئي بمعارضة التمديد لمجلس النواب ويقول: "لا انتخابات نيابية وهي ليست واردة في الوقت الحالي وسيتم التمديد"، مضيفا: "عارضنا التمديد وسنعارضه والطعن موضوع نبحثه ضمن التكتل"، معتبرا في المقابل ان الظروف غير مواتية لانتخاب رئيس.

أمّا وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، المعني الأول بالوضع الأمني، فقد أعلن أن "الوضع الامني لا يسمح باجراء الانتخابات في موعدها".

إذاً هناك من يعارض جهاراً التمديد لمجلس النواب، وهناك من سيؤمن الميثاقية للجلسة من دون الموافقة على التمديد، وهناك من يقول أنه بات ضرورة في ظلّ الأوضاع الأمنية السائدة، ويبدو أن لبنان يسير أكثر فأكثر نحو الهاوية والتنكّر للديمقراطية التي لطالما تغنّى بها...

إعداد: ريما أبو خليل